حديث الحب
الحب كلمة تضحكني
بقدر ما تبكي وتثير أشجان غيري !!
وبقدر ما أستمتع بالهزأ من المحبين
إلا أنه يزعجني آنينهم وآهاتهم !!
التي أعتبرها دليل ضعف وذُل
" تذللت حتى رق لي قلب حاسدي ** وعاد عذولي بالهوى لي شافعا "
ولا أعلم كيف يكونوا ضعفاء إلى هذه الدرجة ؟؟
ياللغرابة .... أنها كلمة لا تزيد عن حرفين !!
وتفعل بهم كل هذا الأفاعيل !!
وما يقلقني أن الضعف أصاب الأكثرية
فحمدت ربي أن عافاني مما أبتلاهم به
في مرة ........
كان أصدقائي يتجاذبون أطراف الحديث
و يتبادولون الحكايات وليس لهم بالطبع حديث غير الحب
أحدهم مولع بأحدى فتيات الحاره
والآخر مفتون بالجاره
وثالث يعشق بنتٌ أسمها ساره
والكل يبوح بجزء من أخباره
ويتكتم على كثير من أسرار
حين يأتي ذكر الحبيبة
أرى في أعينهم ......... وله وشوق
شعاع غريب
فيه السحر واضح
ولمشاعرهم فاضح
لا ريب أنهم مسحورين
وساحرهم تعويذته من العين إشاره
سألت أحدهم : مابالكم ؟
فأنشد هذين البيتين ( لـ محمود الدغيم ) :
" وَ نَبْضُ الْقُلُوْبِ نِدَاْءُ الْحَبِيْبِ *** اللَّبِيْبِ الْمُوَلَّهِ بِالْغَاْلِيَهْ "
" وَ رُؤْيَاْ الْحَبِيْبِ حَيَاْةُ الْقُلُوْبِ *** تُنِيْرُ لَهَا اللَّيْلَةَ الدَّاْجِيَهْ "
ما بال هؤلاء المغرمين ؟!
يالهم من مخدوعين
كم أشفق عليهم !!
وأرحم حالهم
اقف بينهم متفرجاً
وكأنهم ابطال لمسرحية
جمهورها أنا فقط !!
كنت متعجباً
مستغرباً
فهل أنا العاقل الوحيد في عالم من المجانين !!
لم يعرف الحب طريقاً لقلبي
ولا أعتقد فأنا لست من جملة المساكين !!
" و كــل الناس مجنون ولــكن *** على قــدر الهوى اختلف الجنون "
و في أحد ليال الشتاء ...........
ذهبت مع أقربهم لنفسي في رحلة برية وكان الطقس شديد البرودة فجلسنا حول النار نتسامر
ولاحظت أنه في حاله سرحان ويديه قريبتين من النار فخفت أن تحرقهما .. فنبهته
فأنشد :
أغرام ما بقلبي *** أم حريق أم ضِرام
كل نار غير نار الـ *** ـعشق برد وسلام
(لـ .. بهاء الدين زهير)
نظرت إليه بتمعن فوجدته متجهم الوجه ويبدو أن يعاني من مواسم الجفاف العاطفي
فقلت مداعباً :
قلتُ ابتسم واطـرب فلو قارنتها *** قضَّيتَ عمـركَ كله متألما
( لـ .. ايليا ابي ماضي )
ولكنه امتعض أكثر وكان بودي لو أبتسم
فقررت حينها أن أدخل في محاورة طويلة وشائكة لا تخلو من المشاكسة عن الحب لعله يرجع عن غيه
فسألته :هل تحب ؟
أجابني : سؤالك وأن بدا لك صغيراً إلا أن جميع مفردات اللغة لن تفي بجزء مما أكن لها !!
وأحببتها حبا يقر بعينها *** وحبي إذا احببت لا يشبه الحُبَّا
ولو تفلت في البحر والبحر مالح *** لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
(لـ .. مجنون ليلى )
اجابته زادت مساحة الفضول لدي
فرجوته أن يحدثني عن حبيبته
ويبدو أنه سر بهذا الطلب لأني لمحت شبح إبتسامة تلوح على شفاهه
فأنشد :
" حديثه أو حديث عنه يطربنى *** هــذا إذا غاب أو هذا إذا حضر
كلاهما حَسن عندى أُسر به *** لكن أحـلاهما مـا وافـق النظرا "
( لـ .. أبن الفارض ) :
واتبعها ببيتين ( لـ .. مجنون ليلى ) :
" وشغلت عن فهم الحديث سوى *** ما كان فيك فإنه شـغـلـي "
" وأديم لحظ محــــــــدثـي لـيرى *** أن قد فهمت وعندكم عقلـي "
قلت :سمعت ياصديقي أن المحب شديد الغيرة على حبيبته
فهل وصلت ماوصل إليه ( ابو تمام ) ؟! حين قال ؟!
اغار من القميص إذا علاهُ *** مخافة أن يلامسه القميصُ
نظر إلي نظرة المستغرب من بلاهة قولي وقال : بل أكثر
وأنشد :بيتين آخرين ( لـ .. يزيد بن معاوية ) :
أَغَـارُ عَلَـى أَعْطَافِهَـا مِنْ ثِيَابِهَـا ِ*** ذَا لَبَسَتْـهَا فَـوقَ جِسْـمٍ مَنَعَّـمِ
وَأَحْسُـدُ كَاسَـاتٍ تُقَبِّـلُ ثَغْرَهَـا *** إِذَا وَضَعَتْهَا مَوْضِعَ اللَّثْـمِ فِي الفَـمِ
كاد أن يكمل باقي القصيدة لولا أني قاطعته بقولي : إليس يوجد به عيوب قد تساعدك على نسيانها
فانشد بيتين( لـ قيس بن ذريح ) :
" إذا عبتهــا شــبهتها البـــدر طالعـا *** وحسـبك مـن عيـب لهـا شـبه البدر "
" لقـد فضلـت ليـلى عـلى الناس مثلما *** عـلى ألـف شـهر فضلـت ليلة القدر "
قلت : صفها لي ؟
قال : لن أقدر على وصفها لأني لو حاولت لبخستها حقها
ومعدولة ٍ مهما أَمالَتْ إزارَها *** فغصنٌ وأما قدُّها فقضيبُ
لها القَمَرُ السَّاري شقيقٌ وإنَّها *** لتطْلُعُ أَحْياناً له فيغيبُ
( لـ .. ديك الجن الحمصي )
ثم أتبعها ببيت آخر :
يكاد فـضـيـض الـمـاء يـخـدش جـلـدهـا *** إذا اغـتـسـلـت بالـمـاء من رقـة الـجـلـد
( لـ .. جميل بن معمر)
قلت : يبدو لي أن من كثر تعلقك بها أنك تجاوزت معها الخطوط الحمراء
انتفض وقال معاذ الله فحالي كحال ( جميل بثينه ) حين قال :
لا والذي تسجد الجباه له *** ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها، ولا هممت به *** ما كان إلا الحديث والنظرُ
قلت : لماذا المحبين من عشاق الليل ؟
قال : لسنا عشاق لليل ولكننا عشاق لمن اسهرونا وجعلونا ندماء له
أشكو الذين أذاقوني مودتهم *** حتى إذا أيقظوني بالهوى رقدوا !
( لـ .. العباس بن الأحنف )
قلت لما تتعب نفسك في أنتظار وصل الحبيبة لما لاتستبدلها بأخرى ربما تكون أفضل منها بجميع المقاييس :
قال : لقد أورد أبو تمام وصفاً يشابه طلبك .. ورده أبلغ من اجتهادي ببعض الكلم
نـقـّـل فـؤادك حـيـث شـئـت من الـهـوى *** مـا الـحــب إلا لـلــحــبــيــب الأول
كم مـنـزل فـي الأرض يـعـشـقـه الـفـتـى *** و حــنــيــنــه أبـــدا لأول مـنــزل
( لـ .. أبو تمام )
قلت وقد أشفقت عليه : أذكراها تسيطر عليك بحيث لا تقدر على الفكاك منها ؟
قال : نعم أذكرها ولكن ليس كما تستحق ولكن حالي كحال مجنون ليلى حين قال :
فـلـَـو أنَّـنِـي أستـَـغــفِــرُ الله كُــلَّــمَـا *** ذ كَــرتــُــكِ : لم تُــكــتــَبْ عَــلـَيَّ ذ نُــوبُ
قلت : لوطلبت الحبيبة من الحبيب طلباً به من الصعوبة الشيء الكثير
فهل ينفذه على الفور أم يكون متردداً في اتخاذ قراره ؟!
قال ( وهو يتمنى حدوث ذلك ) : نعم .. نعم .. نعم بالتأكيد ثم أنشد :
فلو ارسلت يوما بثينة تبتغي *** يميني وان عزت علي يميني
لاعطيتها ما جاء يبغي رسولها *** وقلت لها بعد اليمين سليني
( لـ .. جميل بثينه)
قلت : أتفعل إمرأة بك كل هذا
فأنشد على الفور :
دع عنك لومي فإن اللوم أغراء *** وداوني بالتي كانت هي الداء
قلت : ردي عليك هذه المره سيكون بأبيات لأمير الشعراء ( أحمد شوقي ) لعلك تعتبرمنه
وصفت له من أنت ، ثم جرى لنا *** حديث يهم العاشقين عجيبُ
وقلت له ؛ صبرا ، فكل أخي هوىً *** على يد من يهوى غداً سيتوبُ
قال : فقد قال أيضاً ( أحمد شوقي ) :
يالائمي في الهوى والهوى قدر *** لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلـم
لفت انتباهي الشطر الثاني من البيت وتحديداً ( الوجد )
فسألته : دائماً أسمع كلمة ( الوجد ) فماذا تعني؟
ابتسم للمرة الثانية وقال : لن تفهم معناها حتى تقع في شراك الحب
لكن مع ذلك أجد الأبيات التالية قد تفي بغرضك :
هل الوجد إلا ان قلبي قد دنا *** من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمرُ
أفي الحق اني مغرم بك هائم *** وأنكِ لا خَلَّ هواك ولا خمرُ
فإن كنت مطبوبا فلا زلتُ هكذا *** وإن كنت مسحورا فلا برأ السحرُ
( لـ .. مجنون ليلى )
قلت وانا مشدوهاً من كثر تعلقه بها : ياصاحبي أخاف عليك أن يصبح حالك كحال ( فاروق جويدة ) حين قال :
قلبى الذى علمته حبك يوما
علمنى هموم الانكسار
وجه جميل
طاف فى عينى قليلا واستدار
ومضيت اجرى خلفه
فوجدت وجهى فى الجدار
قال وهو يتنهد :
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما *** يظنان كل الظن ان لا تلاقيا
( لـ .. قيس بن ذريح )
وأضاف : أتعلم أن الحب هو الحياة
فاكتفيت بإبتسامة ساخرة تدل على عدم قناعتي بما يهذي !!
فواصل حديثه : الم يسبق لك قراءة ( ما كتبه أونيل ) :
" الشباب يدوم ساعة
والجمال عمره كعمر الزهور
أما الحب فذلك هو الجوهرة التي تومض الى الأبد. "
سألته مرة أخرى :
إلا تتشاجران ويغضب أحدكم من الآخر ؟
قال : إلا يوجد كلمة أرق من " شجار " ؟
نعم يحدث أحياناً أن يكون هناك عتاب
فعتاب المحبين كمطر الصيف ......... يمضي سريعاً
ويترك الدنيا .......... أكثر نضارةً وجمالاً
( مدام ينكر )
ولكن لاتدع العتاب تطول فترته وتتسع رقعته ثم أنشد بيتين ( لغياث النجدي ) :
" إحرص على حفظ القلوب من الأذى *** فرجوعها بعد التنافر يعسر
إن القلوب إذا تنافر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يجبر "
قلت : ولكنكم اشبه بالأطفال دوماً تذرفون الدموع ؟
أبتسم وقال مقولة ( لـ محمد عبد المنعم ) :
الحب زهرة ناضرة
لا يفوح أريجها
إلا إذا تساقطت عليها قطرات الدموع
أودت إحراجه :
ولكني أسمع أن كثيراً من حالات المحبين تنتهي بالفراق .... فأين الحب في ذلك؟
فكانت إجابته أسرع مما توقعت وقال : يا صديقي أقرأ هذه العبارة جيداً ( لأحد الحكماء ) :
" الحب الطاهر الشريف يبقى مابقي الحب
والحب ذو الغرض ينقضي بانقضائه !! "
أستهواني حديثه ( نوعا ما ورغبت في مشاكسته ) فقلت : وكيف لنا أن نعرف إذا كان الشخص يحب فعلاً ... وليس لغرض في نفسه ؟
أجابني بـ ( حكمة لـ أبو بكر الواسطي ) :
" الحب يوجب شوقاً
والشوق يوجب أنساً
فمن فقد الشوق والأنس
فليعلم انه غير محب "
ثم أتبعها ( بقول من أقوال محمد ماضي أبو العزايم ) :
" علامة الحب
أن تقبل على حبيبك عند إقباله عليك
وإدباره عنك "
لازلت أقوم بدور المستجوب فقلت :
كيف يحب الرجل وكيف تحب المرأة ؟
قال : الرجل يحب عن طريق عينيه
اما المرأة فتحب عن طريق اذنيها
فسارعت بالقول : إذاً المحبين لابد أن يجيدوا الثرثرة ؟
فقال : ياعزيزي أعلم أن ...
أبلغ حديث .............الصمت في الحب
صمت لبرهة .... اتاحت له أن يقوم بدور السائل هذه المرة :
هل جربت مرة أن تتناول طعامك بدون أن تضيف إليه الملح ؟
أو أن تتذوق قالباً من الحلوى خالياً من السكر ؟
فابتسمت ابتسامه ماكره وقلت :
كانك تعني أن أحد حواسي الخمس ستتعطل أن لم أحب ؟
فقال : أعتقد أن واحدة غير كافيه ربما تتعطل كل حواسك حينها
وصل الى درجة من الجنون أعلى مما تصورت
فأعتلى معها صوتي ونبرة الانفعال بادية عليّ :
أنا مستمتع بحياتي ولست بحاجة للعذاب
أو مشاعر مخادع وكذاب
فلم أسمع عن المحبين سوى الآهات والبكاء والشكوى من الفراق
لم أرى منهم الى كل مذلة في محاولة كسب عطف الحبيب ورضاه حتى لو بنظره !!
وأنشدت ( أبيات لـلشاعر المصري محمد عوض ) :
" أتَحـنو عليكَ قلوبُ الوَرَى ...... إذا دمعُ عيـنيكَ يوماً جرى؟ "
" وَهَل ترحمُ الحَمَـلَ المُستَضَامَ ...... ذِئابُ الفَلا وأسـودُ الشَّرى؟ "
" وماذا ينالُ الضـعيف الذليلُ ...... سـوى أن يحقَّرَ أو يُزدَرَى ؟ "
" فكُن يابسَ العودِ صُلبَ القناةِ ...... قوي الـمِراسِ متـينَ العرى "
قال : وما أدراك أنت ؟!
ستعرف في الحب
معنى الشوق والحنين
والبعد والفراق
ثم روعة اللقاء
ستعرف أن لك في الحياة شريك
يقاسمك فرحك وترحك
ستعلم أن حياتك ............. الممتعة في نظرك حالياً
لم تكن إلا مرحلة باهتة
وستتمنى لو التقيت بحبيتك منذا أمد
وقلت : وهل في البكاء والانزواء متعة ؟
فقال : ومن قال لك ذلك ؟
قلت : هذا ما أراه من حال المحبين في الماضي والحاضر
الم تسمع عن ( مجنون ليلى ) وكيف أدى به الحب إلى الجنون ؟!
فأنا أشفق عليه كلما سمعت قصيدته الذي يقول فيها :
" امر على الديار ديار ليلى *** اقبل ذا الجدارَ وذا الجدارِ "
" وما حب الديار شغفن قلبي *** ولكن حب من سكن الديار "
أراد أن يقاطعني لكني لم أترك له مجالاً هذه المرة :
أتريد مني أن أصبح مهووساً وأضحوكة مثله
واقبل كل جدران الحي !!
وأن رحلت محبوبتي إلى حي آخر ؟
هل اقبل جدرانه أيضاً !!
إلى أن اقبل جدران المدينة جميعاً !!
ابتسم إبتسامه اليائس
وأنشد هذا البيت :
" لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه *** لا يؤلم الجرح إلا من به ألم "
الحب كلمة تضحكني
بقدر ما تبكي وتثير أشجان غيري !!
وبقدر ما أستمتع بالهزأ من المحبين
إلا أنه يزعجني آنينهم وآهاتهم !!
التي أعتبرها دليل ضعف وذُل
" تذللت حتى رق لي قلب حاسدي ** وعاد عذولي بالهوى لي شافعا "
ولا أعلم كيف يكونوا ضعفاء إلى هذه الدرجة ؟؟
ياللغرابة .... أنها كلمة لا تزيد عن حرفين !!
وتفعل بهم كل هذا الأفاعيل !!
وما يقلقني أن الضعف أصاب الأكثرية
فحمدت ربي أن عافاني مما أبتلاهم به
في مرة ........
كان أصدقائي يتجاذبون أطراف الحديث
و يتبادولون الحكايات وليس لهم بالطبع حديث غير الحب
أحدهم مولع بأحدى فتيات الحاره
والآخر مفتون بالجاره
وثالث يعشق بنتٌ أسمها ساره
والكل يبوح بجزء من أخباره
ويتكتم على كثير من أسرار
حين يأتي ذكر الحبيبة
أرى في أعينهم ......... وله وشوق
شعاع غريب
فيه السحر واضح
ولمشاعرهم فاضح
لا ريب أنهم مسحورين
وساحرهم تعويذته من العين إشاره
سألت أحدهم : مابالكم ؟
فأنشد هذين البيتين ( لـ محمود الدغيم ) :
" وَ نَبْضُ الْقُلُوْبِ نِدَاْءُ الْحَبِيْبِ *** اللَّبِيْبِ الْمُوَلَّهِ بِالْغَاْلِيَهْ "
" وَ رُؤْيَاْ الْحَبِيْبِ حَيَاْةُ الْقُلُوْبِ *** تُنِيْرُ لَهَا اللَّيْلَةَ الدَّاْجِيَهْ "
ما بال هؤلاء المغرمين ؟!
يالهم من مخدوعين
كم أشفق عليهم !!
وأرحم حالهم
اقف بينهم متفرجاً
وكأنهم ابطال لمسرحية
جمهورها أنا فقط !!
كنت متعجباً
مستغرباً
فهل أنا العاقل الوحيد في عالم من المجانين !!
لم يعرف الحب طريقاً لقلبي
ولا أعتقد فأنا لست من جملة المساكين !!
" و كــل الناس مجنون ولــكن *** على قــدر الهوى اختلف الجنون "
و في أحد ليال الشتاء ...........
ذهبت مع أقربهم لنفسي في رحلة برية وكان الطقس شديد البرودة فجلسنا حول النار نتسامر
ولاحظت أنه في حاله سرحان ويديه قريبتين من النار فخفت أن تحرقهما .. فنبهته
فأنشد :
أغرام ما بقلبي *** أم حريق أم ضِرام
كل نار غير نار الـ *** ـعشق برد وسلام
(لـ .. بهاء الدين زهير)
نظرت إليه بتمعن فوجدته متجهم الوجه ويبدو أن يعاني من مواسم الجفاف العاطفي
فقلت مداعباً :
قلتُ ابتسم واطـرب فلو قارنتها *** قضَّيتَ عمـركَ كله متألما
( لـ .. ايليا ابي ماضي )
ولكنه امتعض أكثر وكان بودي لو أبتسم
فقررت حينها أن أدخل في محاورة طويلة وشائكة لا تخلو من المشاكسة عن الحب لعله يرجع عن غيه
فسألته :هل تحب ؟
أجابني : سؤالك وأن بدا لك صغيراً إلا أن جميع مفردات اللغة لن تفي بجزء مما أكن لها !!
وأحببتها حبا يقر بعينها *** وحبي إذا احببت لا يشبه الحُبَّا
ولو تفلت في البحر والبحر مالح *** لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
(لـ .. مجنون ليلى )
اجابته زادت مساحة الفضول لدي
فرجوته أن يحدثني عن حبيبته
ويبدو أنه سر بهذا الطلب لأني لمحت شبح إبتسامة تلوح على شفاهه
فأنشد :
" حديثه أو حديث عنه يطربنى *** هــذا إذا غاب أو هذا إذا حضر
كلاهما حَسن عندى أُسر به *** لكن أحـلاهما مـا وافـق النظرا "
( لـ .. أبن الفارض ) :
واتبعها ببيتين ( لـ .. مجنون ليلى ) :
" وشغلت عن فهم الحديث سوى *** ما كان فيك فإنه شـغـلـي "
" وأديم لحظ محــــــــدثـي لـيرى *** أن قد فهمت وعندكم عقلـي "
قلت :سمعت ياصديقي أن المحب شديد الغيرة على حبيبته
فهل وصلت ماوصل إليه ( ابو تمام ) ؟! حين قال ؟!
اغار من القميص إذا علاهُ *** مخافة أن يلامسه القميصُ
نظر إلي نظرة المستغرب من بلاهة قولي وقال : بل أكثر
وأنشد :بيتين آخرين ( لـ .. يزيد بن معاوية ) :
أَغَـارُ عَلَـى أَعْطَافِهَـا مِنْ ثِيَابِهَـا ِ*** ذَا لَبَسَتْـهَا فَـوقَ جِسْـمٍ مَنَعَّـمِ
وَأَحْسُـدُ كَاسَـاتٍ تُقَبِّـلُ ثَغْرَهَـا *** إِذَا وَضَعَتْهَا مَوْضِعَ اللَّثْـمِ فِي الفَـمِ
كاد أن يكمل باقي القصيدة لولا أني قاطعته بقولي : إليس يوجد به عيوب قد تساعدك على نسيانها
فانشد بيتين( لـ قيس بن ذريح ) :
" إذا عبتهــا شــبهتها البـــدر طالعـا *** وحسـبك مـن عيـب لهـا شـبه البدر "
" لقـد فضلـت ليـلى عـلى الناس مثلما *** عـلى ألـف شـهر فضلـت ليلة القدر "
قلت : صفها لي ؟
قال : لن أقدر على وصفها لأني لو حاولت لبخستها حقها
ومعدولة ٍ مهما أَمالَتْ إزارَها *** فغصنٌ وأما قدُّها فقضيبُ
لها القَمَرُ السَّاري شقيقٌ وإنَّها *** لتطْلُعُ أَحْياناً له فيغيبُ
( لـ .. ديك الجن الحمصي )
ثم أتبعها ببيت آخر :
يكاد فـضـيـض الـمـاء يـخـدش جـلـدهـا *** إذا اغـتـسـلـت بالـمـاء من رقـة الـجـلـد
( لـ .. جميل بن معمر)
قلت : يبدو لي أن من كثر تعلقك بها أنك تجاوزت معها الخطوط الحمراء
انتفض وقال معاذ الله فحالي كحال ( جميل بثينه ) حين قال :
لا والذي تسجد الجباه له *** ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها، ولا هممت به *** ما كان إلا الحديث والنظرُ
قلت : لماذا المحبين من عشاق الليل ؟
قال : لسنا عشاق لليل ولكننا عشاق لمن اسهرونا وجعلونا ندماء له
أشكو الذين أذاقوني مودتهم *** حتى إذا أيقظوني بالهوى رقدوا !
( لـ .. العباس بن الأحنف )
قلت لما تتعب نفسك في أنتظار وصل الحبيبة لما لاتستبدلها بأخرى ربما تكون أفضل منها بجميع المقاييس :
قال : لقد أورد أبو تمام وصفاً يشابه طلبك .. ورده أبلغ من اجتهادي ببعض الكلم
نـقـّـل فـؤادك حـيـث شـئـت من الـهـوى *** مـا الـحــب إلا لـلــحــبــيــب الأول
كم مـنـزل فـي الأرض يـعـشـقـه الـفـتـى *** و حــنــيــنــه أبـــدا لأول مـنــزل
( لـ .. أبو تمام )
قلت وقد أشفقت عليه : أذكراها تسيطر عليك بحيث لا تقدر على الفكاك منها ؟
قال : نعم أذكرها ولكن ليس كما تستحق ولكن حالي كحال مجنون ليلى حين قال :
فـلـَـو أنَّـنِـي أستـَـغــفِــرُ الله كُــلَّــمَـا *** ذ كَــرتــُــكِ : لم تُــكــتــَبْ عَــلـَيَّ ذ نُــوبُ
قلت : لوطلبت الحبيبة من الحبيب طلباً به من الصعوبة الشيء الكثير
فهل ينفذه على الفور أم يكون متردداً في اتخاذ قراره ؟!
قال ( وهو يتمنى حدوث ذلك ) : نعم .. نعم .. نعم بالتأكيد ثم أنشد :
فلو ارسلت يوما بثينة تبتغي *** يميني وان عزت علي يميني
لاعطيتها ما جاء يبغي رسولها *** وقلت لها بعد اليمين سليني
( لـ .. جميل بثينه)
قلت : أتفعل إمرأة بك كل هذا
فأنشد على الفور :
دع عنك لومي فإن اللوم أغراء *** وداوني بالتي كانت هي الداء
قلت : ردي عليك هذه المره سيكون بأبيات لأمير الشعراء ( أحمد شوقي ) لعلك تعتبرمنه
وصفت له من أنت ، ثم جرى لنا *** حديث يهم العاشقين عجيبُ
وقلت له ؛ صبرا ، فكل أخي هوىً *** على يد من يهوى غداً سيتوبُ
قال : فقد قال أيضاً ( أحمد شوقي ) :
يالائمي في الهوى والهوى قدر *** لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلـم
لفت انتباهي الشطر الثاني من البيت وتحديداً ( الوجد )
فسألته : دائماً أسمع كلمة ( الوجد ) فماذا تعني؟
ابتسم للمرة الثانية وقال : لن تفهم معناها حتى تقع في شراك الحب
لكن مع ذلك أجد الأبيات التالية قد تفي بغرضك :
هل الوجد إلا ان قلبي قد دنا *** من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمرُ
أفي الحق اني مغرم بك هائم *** وأنكِ لا خَلَّ هواك ولا خمرُ
فإن كنت مطبوبا فلا زلتُ هكذا *** وإن كنت مسحورا فلا برأ السحرُ
( لـ .. مجنون ليلى )
قلت وانا مشدوهاً من كثر تعلقه بها : ياصاحبي أخاف عليك أن يصبح حالك كحال ( فاروق جويدة ) حين قال :
قلبى الذى علمته حبك يوما
علمنى هموم الانكسار
وجه جميل
طاف فى عينى قليلا واستدار
ومضيت اجرى خلفه
فوجدت وجهى فى الجدار
قال وهو يتنهد :
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما *** يظنان كل الظن ان لا تلاقيا
( لـ .. قيس بن ذريح )
وأضاف : أتعلم أن الحب هو الحياة
فاكتفيت بإبتسامة ساخرة تدل على عدم قناعتي بما يهذي !!
فواصل حديثه : الم يسبق لك قراءة ( ما كتبه أونيل ) :
" الشباب يدوم ساعة
والجمال عمره كعمر الزهور
أما الحب فذلك هو الجوهرة التي تومض الى الأبد. "
سألته مرة أخرى :
إلا تتشاجران ويغضب أحدكم من الآخر ؟
قال : إلا يوجد كلمة أرق من " شجار " ؟
نعم يحدث أحياناً أن يكون هناك عتاب
فعتاب المحبين كمطر الصيف ......... يمضي سريعاً
ويترك الدنيا .......... أكثر نضارةً وجمالاً
( مدام ينكر )
ولكن لاتدع العتاب تطول فترته وتتسع رقعته ثم أنشد بيتين ( لغياث النجدي ) :
" إحرص على حفظ القلوب من الأذى *** فرجوعها بعد التنافر يعسر
إن القلوب إذا تنافر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يجبر "
قلت : ولكنكم اشبه بالأطفال دوماً تذرفون الدموع ؟
أبتسم وقال مقولة ( لـ محمد عبد المنعم ) :
الحب زهرة ناضرة
لا يفوح أريجها
إلا إذا تساقطت عليها قطرات الدموع
أودت إحراجه :
ولكني أسمع أن كثيراً من حالات المحبين تنتهي بالفراق .... فأين الحب في ذلك؟
فكانت إجابته أسرع مما توقعت وقال : يا صديقي أقرأ هذه العبارة جيداً ( لأحد الحكماء ) :
" الحب الطاهر الشريف يبقى مابقي الحب
والحب ذو الغرض ينقضي بانقضائه !! "
أستهواني حديثه ( نوعا ما ورغبت في مشاكسته ) فقلت : وكيف لنا أن نعرف إذا كان الشخص يحب فعلاً ... وليس لغرض في نفسه ؟
أجابني بـ ( حكمة لـ أبو بكر الواسطي ) :
" الحب يوجب شوقاً
والشوق يوجب أنساً
فمن فقد الشوق والأنس
فليعلم انه غير محب "
ثم أتبعها ( بقول من أقوال محمد ماضي أبو العزايم ) :
" علامة الحب
أن تقبل على حبيبك عند إقباله عليك
وإدباره عنك "
لازلت أقوم بدور المستجوب فقلت :
كيف يحب الرجل وكيف تحب المرأة ؟
قال : الرجل يحب عن طريق عينيه
اما المرأة فتحب عن طريق اذنيها
فسارعت بالقول : إذاً المحبين لابد أن يجيدوا الثرثرة ؟
فقال : ياعزيزي أعلم أن ...
أبلغ حديث .............الصمت في الحب
صمت لبرهة .... اتاحت له أن يقوم بدور السائل هذه المرة :
هل جربت مرة أن تتناول طعامك بدون أن تضيف إليه الملح ؟
أو أن تتذوق قالباً من الحلوى خالياً من السكر ؟
فابتسمت ابتسامه ماكره وقلت :
كانك تعني أن أحد حواسي الخمس ستتعطل أن لم أحب ؟
فقال : أعتقد أن واحدة غير كافيه ربما تتعطل كل حواسك حينها
وصل الى درجة من الجنون أعلى مما تصورت
فأعتلى معها صوتي ونبرة الانفعال بادية عليّ :
أنا مستمتع بحياتي ولست بحاجة للعذاب
أو مشاعر مخادع وكذاب
فلم أسمع عن المحبين سوى الآهات والبكاء والشكوى من الفراق
لم أرى منهم الى كل مذلة في محاولة كسب عطف الحبيب ورضاه حتى لو بنظره !!
وأنشدت ( أبيات لـلشاعر المصري محمد عوض ) :
" أتَحـنو عليكَ قلوبُ الوَرَى ...... إذا دمعُ عيـنيكَ يوماً جرى؟ "
" وَهَل ترحمُ الحَمَـلَ المُستَضَامَ ...... ذِئابُ الفَلا وأسـودُ الشَّرى؟ "
" وماذا ينالُ الضـعيف الذليلُ ...... سـوى أن يحقَّرَ أو يُزدَرَى ؟ "
" فكُن يابسَ العودِ صُلبَ القناةِ ...... قوي الـمِراسِ متـينَ العرى "
قال : وما أدراك أنت ؟!
ستعرف في الحب
معنى الشوق والحنين
والبعد والفراق
ثم روعة اللقاء
ستعرف أن لك في الحياة شريك
يقاسمك فرحك وترحك
ستعلم أن حياتك ............. الممتعة في نظرك حالياً
لم تكن إلا مرحلة باهتة
وستتمنى لو التقيت بحبيتك منذا أمد
وقلت : وهل في البكاء والانزواء متعة ؟
فقال : ومن قال لك ذلك ؟
قلت : هذا ما أراه من حال المحبين في الماضي والحاضر
الم تسمع عن ( مجنون ليلى ) وكيف أدى به الحب إلى الجنون ؟!
فأنا أشفق عليه كلما سمعت قصيدته الذي يقول فيها :
" امر على الديار ديار ليلى *** اقبل ذا الجدارَ وذا الجدارِ "
" وما حب الديار شغفن قلبي *** ولكن حب من سكن الديار "
أراد أن يقاطعني لكني لم أترك له مجالاً هذه المرة :
أتريد مني أن أصبح مهووساً وأضحوكة مثله
واقبل كل جدران الحي !!
وأن رحلت محبوبتي إلى حي آخر ؟
هل اقبل جدرانه أيضاً !!
إلى أن اقبل جدران المدينة جميعاً !!
ابتسم إبتسامه اليائس
وأنشد هذا البيت :
" لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه *** لا يؤلم الجرح إلا من به ألم "
تعليق