بحث عن الشمس

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • !عـشـقـي عـيـونـك!


    • Apr 2008
    • 1767

    #1

    بحث عن الشمس

    السلاام عليكم

    البحث عن الشمس





    مرت الأيام العصبية الثلاثة ببطء شديد.. كانت الساعات تمر ببطء لا يطاق و عاشت أماني في هذه الفترة بؤس الانتظار و الترقب.
    أمضى بيدروس كل أيامه في المستشفى مع زوجته, يجلس إلى جانب السري , يتحدث إليها, و يقلق و يشتم راعداً بانفجارات عصيبة,ثم ينام مضطرباً حين يجبرونه بالقوة على الاستلقاء في غرفة مجاورة..فيما بينهما.
    كانت أماني و ستيفانوس يتناوبان البقاء معه, أما السيدة فيرغوس فكانت تعتني بالصغير بيير الذي هو أصغر من ان يفهم ما يحدث.. لكنه كان يشعر بتوتر أقاربه و يعرف أن غياب والديه غير عائد إلى قيامهما برحلة عمل أخرى و كان يتعلق بأماندا حين تكون في الفيلا.
    قالت السيدة فيرغوس بحزن: السبب هو شبهك بأمه.. أنه يراها فيك لذا يتعلق بك.. الأطفال مخلوقات حساسة.. و نحن نميل إلى نسيان هذا وقت المحن.
    كانت أماني مضطرة إلى الاستكانة و عدم التفكير في الأسباب التي دفعت كيفن للرحيل..و كأن الصراع آيرين مع الموت عرّى كل تلك المشاعر, و لم تعد تعرف ماذا تريد أو ماذا تحتاج منه.. كل ما كانت تعرفه هو أن ذهابه ترك فسحة فارغة في داخلها, تجد صعوبة في التوافق معها.
    استيقظت آيرين في اليوم التالي.
    كانت أماني معها. تجلس في الكرسي إلى جانب السرير.. تتحدث بهدوء إليها و هي فاقدة الوعي تبثها همومها و أفكارها المرتبكة. كانت غارقة في ثرثرتها فلم تلاحظ الجفنين الشاحبين يرتفعان أو العينين الزرقاوين تحدقان أليها.
    تناهى ألى مسامع أماني صوت متلعثم:
    - أماني.. ماذا تفعلين هنا؟
    هبّت أماندا واقفة تلثم الخد الشاحب الذي لم يضمد.
    ارتفعت اليد غير المصابة إلى رباط رأسها:
    - أين أنا؟ ماذا حدث؟ أين.... أين بيدروس؟ أماني..!
    ارتفعت يدها لتمسك ذراع أماني.. ثم نظرت بخوف أعمى بان في عينيها.
    .... أين هو؟؟
    - إنه بخير! بخير حبيبتي! إنه نائم في الغرفة المجاورة.. كنا قلقين عليك و كم بذلنا من الجهد ليلوذ إلى النوم. لكنه على ما يرام.
    - تمتمت آيرين: انقلبت بنا السيارة.....
    - أجل حبيبتي.
    - و امتدت يدها خلسة إلى جرس الاستدعاء فوق السرير, قلقة لأنها رأت أختها تحاول معرفة التفاصيل إصابتها.. و لا شك أنها ستسأل السؤال الحتمي بين لحظة و أخرى.. و هو سؤال لن ترغب في الرد عليه.
    - أضافت : وقعت الحادثة قبل أربعة أيام.
    - اتسعت عينا أيرين: أربعة أيام؟ كنت خلالها مستلقية هنا؟
    - ابتسمت أماني ممازحة: يا لك من أمرأة كسول!
    استرخت آيرين إلى الوسائد تغمض عينيها لحظة, تمرر لسانها على شفتيها الجافتين.. فضغطت أماني الجرس مرة أخرى بشدة و راقبت أختها و هي تشحب مجدداً.. و تهمس:
    - جرعة ماء..
    - ردت أماندا: بالتأكيد.
    - كان عليها التفكير في هذا من قبل.. استقامت مبتعدة لتقدم لها بعض الماء.
    - - فقدت الطفل؟
    - ولم يكن سؤال... بل تقرير أمر واقع.
    - ارتجفت يد أماني : أجل حبيبتي... و أنا أسفة.
    - عادت إلى السرير تدس يدها تحت كتف أختها و ترفعها لتشرب.. أذعنت آيرين و لم يبدُ عليها أثر للكرب... و لكن عندما رفعت آماني عينيها إليها. انفطر فلبها بألم بسبب نظرة البؤس التي علت وجهها.
    - قالت بضعف: أماني هلاّ استدعيت بيدروس؟
    - أعادتها أماني بلطف و قالت بصوت مواسٍ: حالاً حبيبتي.
    - قبلت خذها مجدداً و وقفت.
    - كان بيدروس نائماً بكامل ثيابه على سرير المستشفى و شعره الأسود مشعث, و بشرته البيضاء تحت لونه الأسمر.. دنت أماندا منه بصمت و لامست كتفه برقة.
    - استيقظ منتفضاً و فتح عينيه الحمراوين و نظر إلى أماني
    - قالت: استيقظت آيرين.
    هبّ عن السرير بحركة واحدة و لكنه ترنح قليلاً:
    - يجب أن اذهب إليها...
    أوقفته و هو يتحرك نحو الباب: بيدروس انها..... إنها تعرف.
    اكفهر وجهه المتعب و هبطت كتفاه للحظة و لكنه عاد فاستقام و تحرك برشاقته العادية نحو الباب.
    اتصلت أماني بكايس بعد أسبوع من رحيلها.. و كان أول سؤال طرحه:
    - كم سيطول غيابك؟
    - و كم أعطوني فرصة؟
    - أسبوعين.. يجب أن تشكري نجم سعدك حلوتي... فبديلتك ليست على المستوى المطلوب.. مع ذلك أستطيع تمديد فرصتك أسبوعاً.
    فهمت أماني ماذا يرمي إليه... فلو كانت بديلتها بارعة, لبقيت أماني خارج المسرحية... فعلى ممثل المسرح ألا يتعرض لمشاكل شخصية أثناء عرض المسرحية...و الواقع أنها أخلت بشروط العقد لذا كان يحق لهم قانونياً إبدالها نهائياً.
    تحدثا قليلاً و كان كايس أكثر من راغب في سرد كل ما له من علاقة بأخبارالمسرح, ثم حين توقف قليلاً ليلتقط أنفاسه سألته بعفوية:
    - هل رأيت العمة روزي؟
    كرهت نفسها بسبب شوقها و يأسها لكيفن..و لكنها لم تستطع إخراجه من افكارها منذ مجيئه إلى شقتها...و كان رحيله السريع من المستشفى قد تركها مذهولة.. لقد كان كالرجل الذي وقعت في حبه أول مرة خلال رحلة عذاب, لطيفاً مراعياً لمشاعرها, يسهل لها الأمور قدر المستطاع...ثم..ذهب.
    ران صمت قصير..ثم قال كايس بطريقته الغريبة التي يستخدمها حين يعتقد أنك تعرف امراً لا تعرفه:
    - أنها في ديفون.. أرسلها كيفن مع بعض أقرانها من العجائز في عطلة اماهو فمسافر.. تعرفين أنها تكره البقاء بمفردها في ذلك المنزل الكبير, حلوتي!
    - ألم يخبرك ذلك الشرير بالأمر؟أعتقدت أنه عائد إلى لندن معك.. فقد كتب لي لائحة بطول ذراع بأسماء الأشخاص الذين يجب أن ألغي لهم مواعيده معه في الشهر القادم.. ليتني أستطيع السفر مثله...
    - حاولت أماني فهم ما يقوله, إنه يبدو و كأن .. لا.. أنها تفهم الأشياء من كلامه ليست موجودة فيه! إنها مجرد أمنيات!هل كيفن في....
    - قالت بحذر: لم أشاهد كيفن منذ وصولنا إلى هنا قبل أسبوع.
    - - لا؟ أمر غريب.. لقد وصلتني بطاقة بريدية منه بالأمس فقط يقول أنه يصور التاريخ و أن كاميرته تلتقط المشاهد بمفردها.. و قال إنه يفكر بتغيير اختصاصه و التوجه إلى تصوير المشاهد التاريخية بدل الوجوه...
    - قال...
    - همست بأنفاس مقطوعة: مازال هنا معنا؟؟؟؟
    - سرت في أوصالها رعدت إثارة.
    - - لقد ذكر لي صهرك, و قال إنه استعار منه مركبه و إنه يفكر في القيام بجولة حول الجزيرة.
    - بيدروس يعرف أن كيفن هنا! وقفت أماني مشدوهة كعمود شمع غير قادرة على فهم رأس
    - اللغز من قدمه.
    - - قال.......
    - - وداعاَ كايس.... سأتصل بك, لأعطيك موعداً محدداً لعودتي.
    - و وضعت السماعة من يدها, تهتز كورقة شجرة.. تفكيرها يتطاير في كل اتجاه, تشعر بتعاقب الدهشة والبهجة ثم الغضب والشك و.......
    - مع إثارة صادمة أسرتها في دوار مربك إلى أن تقدمت السيدة فيرغوس لتربت على كتفها مما جعلها تجفل.. و سألتها باستغراب:
    - - هل أنتِ بخير اماندا؟
    - ردت مترددة :
    - - أنا لا أظن هذا.. أنا..
    - صمتت قليلا لتجمع شتات نفسها
    - - أتعتقدين أن بيير سينزعج إن تسللت إلى الخارج لساعة أو أكثر؟ أريد التحدث إلى بيدروس.
    - جاء الرد:
    - - لن يمانع بالتأكيد... إنه مع جده الآن... يصطادان السمك. لماذا لا تذهبين ؟ استخدمي السيارة و لكن رجاء قوديها بحذر.
    - ركضت أماني إلى الباب و عيناها تشتعلان بطاقة لم تظهر فيهما منذ سمعت بحادثة أختها.
    - استغرقت الرحلة إلى رودس ساعة, فالطرقات في الصباح تزدحم...
    - في هذا الموسم يتنقل بيدروس من الفيلا إلى المدينة عن طريق البحر...
    - أوقفت السيارة قرب المستشفى,و سارت و هي تدرك أشياء لم تلحظها منذ وصولها إلى رودس الحبيبة: الحرارة على على بشرتها, الشمس على شعرها الأشقر, الحيوية في خطوتها و هي تسير, و تدفق الدم في شراينيها... فكرت بذهول.. لقد عدت إلى الحياة... كيفن هنا في رودس!
    - لكن ما إن دخلت إلى غرفة أختها الخاصة حتى تحولت إثارتها إلى قلق... فدوافع كيفن المحيرة أعادت كل دفاعاتها التي بنتها ضده في الأشهر الأخيرة.
    - سألتها آيرين: ماذا تفعلين هنا اليوم؟
    - كان بيدروس نصف جالس و نصف مستلقٍ على السرير إلى جانب زوجته... يبدو متكاسلاً غير مهتم بالمشهد الحميّم.
    - قالت أماني ممازحة: أريد استعارة زوجك...
    - نظرت إليها ايرين بعناد: فتشي عن رجل آخر فهذا الرجل محجوز.
    - امتدت يدها تمسك الذراع السمراء إلى جانبها بتملك فابتسم بيدروس و رفع يدها إلى شفتيه يلثمها.
    - بدت أيرين أفضل حالاَ بعد نزع الضمادات و الكدمة خفت , و لكنها مازالت غير قادرة على أن تحمل أي وزن ثقيل على ساقيها, و ستبقى ذراعها مضمدة لأسابيع... لكنها تبدو أكثر فأكثر الأخت التي تحبها أماندا.
    - سألها بيدروس بكسل: من أقلك إلى هنا عزيزتي؟
    - - جئت وحدي.
    - و نظرت إليه بعجرفتها الخاصة, لأنها عرفت ما يدور في خلده...
    - لقد أصبح مجنوناً من فكرة قيادة السيارة منذ الحادثة.. فغير مسموح لأماني أو لأمه بالجلوس وراء مقود السيارة... حتى الآن, أذعنتا له لأنهما لا تريدان زيادة مخاوفه.
    - - رغبت في سرقتك من أختي فركبت المرسيدس و قدتها إلى هنا!
    - - للغداء؟
    - هزت رأسها بشوق:
    - - في تلك الترافيرنا قرب ميناء مندراكي.
    - كانت الموائد هناك منتشرة فوق المرجة حتى جدار الميناء, تظللها مظلات ملونة لإبعاد حرارة الشمس.
    - تنهدت آيرين متأسفة و قالت بصوت متذمر:
    - - أريد مرافقتكما.
    - قالت أماني بحزم: لا يمكنك هذا... أريد رجلاً... و رجل واحد فقط ينفعني.. لقد استأثرت به بما فيه الكفاية.
    - حاولت آيرين عدم التبسم: لكنني أملكه!
    - قال بيدروس بتكبر مزيف: عزيزتي... لا أحد يملكني.
    - ارتدت إليه و قالت بتحدٍ: أحقاً؟
    - نظر إليها عابساً, أما أماني فراحت تراقب تعابير وجهه تلين تدريجياً لتتخذ تعبيراً مختلفاً كل الاختلاف ثم لاحظت زوال الألم من عيني آيرين... فقالت مازحة:
    - - أعد أن اردّه لك حالما أنتهي منه.
    - تنازلت آيرين: حسناً في هذه الحالة...........
    - قررا السير على الأقدام لأن المكان قريب... بيدروس معروف كثيراً في الجزيرة لذا استغرقت المسافة وقتاً أكبر فكلما سارا خطوة كان يضطر للوقوف ليتلقى التهاني بنجاته من الحادثة و التمنيات للزوجة الجميلة بالشفاء.

    ما إن وصلا الترافيرنا حتى كانت أماني تبتسم متعبة بسبب عدد المرات التي توقفا فيها.
    جلسا على مائدة منفصلة قليلاً عما تبقى من الموائد ثم سرعان ما جاء صاحب الترافيرنا شخصياً ليصافح زائره بترحيب حار.


    أخبرها بتعالٍ: نحن شعب صادق منفتح القلب أماندا . انظري حولك و انظري كيف يتشبث مواطنيك الأنكليز بحقائبهم خشية أن يسرقها أحد
    بما أنها لم ترغب ألتحدث في هذا الموضوع فحولت الدفة الحديث إلى الطعام.
    - سأتناول إحدى السلطات الشهية التي تشتهرون بها.
    قال بيدروس محذراً بحزم:
    - ستأكلين ما يقدمة بالوس لنا... أو حضري نفسك لعظة يونانية ملؤها الغضب.
    ما وصل إليها كان حلماً فقد صفّ أمامها قطعة من لحم الضان السميكة الندية التي وضع قربها الخضار المطهوة .. تلاها ألذ طبق حلوى ذاقته في حياتها! طبقات من قطع الدراق الطازج و آيس كريم على شكل سندويش بينهما فريز طازج.. و كريما مخفوقة طازجة على قمة الطبق فوقها حبات الكرز...
    شهقت أماندا: لن أكل كل هذا؟
    قال بيدروس بعدم تصديق: سنرى.
    و كان مصيباً و كانت مخطئة. كان يضحك عليها حين ارتدت إلى الوراء ممتلئة معدتها حتى التخمة و نظرت إليه بمكر:
    - أنت شيطان شرير بيدروس فيرغوس. أخرجتك لتناول غداء خفيف فإذا بك تحشوني بالطعام و كأنك تحضرني للذبح.
    رفع نظره إليها بجد: ربما تخبريني اماني لماذا أبعدتني عن زوجتي الحبيبة هه........
    فقدت أماني روحها المرحة كذلك.. فقد استحوذت الآن على كامل اهتمامه.. لم تعد متأكدة مما تريده منه... جادلت نفسها: إن كان كيفن في الجزيرة فلماذا لم يحاول الاتصال بها, إن هذا الأمر بحد ذاته رسالة... أليس كذلك؟ و هذا ما جعلها منقسمة بين أن تسأله أم تمتنع عن السؤال.
    تمتمت: أنا واثقة لو انك جلست هنا بما فيه الكفاية لمرّ بك كل سكان رودس في النهاية.
    - و هل تفكرين في الجلوس هنا لو ظننت أن شخصاً معيناً يمر بك؟
    ماكر كالعادة.. لقد ضربها على الوتر الحساس بدون مراوغة ... ارتدت تنظر إليه بحزن.. أيمر به شيء دون أن يشعر به؟
    سحبت نفساً عميقاً , ثم قالت و هي تحاول إبعاد تفكيره عن أي شيء أخر:
    - حين تفكر بكل التعقيدات التي وقعت و ما كان يمكن ان يقع بسبب الحادثة يجب أن نحمد الله لأن أختي ما تزال قادرة على الحمل مرة آخرى.
    مرت بوجهه ومضة ألم..
    ازداد صوته عمقاً و أصبح أكثر لطفاً: و هل أنتِ... قلقة عليها,عزيزتي؟
    عرف بيدروس انها أدارت دفة الحديث بلباقة إلى اتجاه آخر... فتنهدت باكتئاب:
    - قلقت عليها فترة...و هذه حالنا جميعاً..لا.. كنت أحاول فقط المقارنة بأنانية, و لا علاقة لهذا بآيرين.
    لا بد أن زوجة كيفن تحطمت تحطماً كاملاً بعدما دمرت عملية الآجهاض المتعمدة فرص الحمل مجدداً..
    و أنا أشعر بعدم الراحة لأنه لزمني حادثة أيرين لأفهم هذا.. أفهم لما كان كيفن قلقاً على سوان.
    قال بيدروس بحذر: ماذا تحاولين القول أماندا؟ أنك نادمة لأنك لم تسمعي دفاعه؟؟
    قالت بقسوة: لقد سمعت دفاعه بيدروس... و لكن ما قلته قبل قليل لا يغير واقعة أنه فضل سوان علي..
    لدي مشاعري كما تعرف! و لن أقبل أن أكون الثانية بعد أية أمرأة!
    أخذ بيدروس وقته للأجابة و راح يتأمل القوارب و المراكب الراسية على رصيف الميناء, قبل أن يرتد إليها و يرد.
    - هل تذكرين يا عزيزتي يوم زرتك في لندن و بحثنا معاً موضوع الرواية التي تلعبينها.
    هزت رأسها: الزواج المدبر.
    - لقد ذكرنا شيئاُ عن مشكلتي في مواجهة موقف مماثل مع عائلتي المتمسكة بالتقاليد..المرأة الشابة التي كان أهلي قد اختاروها لي,سالي, كبرت وهي تتوقع أن تكون زوجتي.. كنت بالنسبة لها من أملاكها مع أنها لم تكن تحبني!
    هز رأسه بقسوة:كنت قاسياً, وقوياً, مستقلاً و هذا ما لا يصلح لها...لأنها بحاجة إلى رجل تستطيع أن تحكمة.. طبيعتها غير بعيدة عن طبيعتي لهذا كنا نتصادم على عامة المستويات.. عندما ظهرت آيرين في الصورة و رأت أن ما تعتقده من ممتلكاتها يُسلب منها قاتلت لتتمسك بي بكل سلاح متوفر لديها..
    و لم يهمها عدم كوني الرجل المناسب لها و لم يهمها رفضي إياها مهما كلف الأمر.. و انطلقت تفسد الأمور بيني و بين آيرين و كادت تنجح في هذا... و لو لا بعض الأمور التي لفتت اهتمامي لما تزوجنا أبداً.
    فقد ثبتُ إلى رشدي بعدما هربت آيرين إلى انكلترا, و توسلت إليها أن تسامحني لأنني صدقت أكاذيب التي لفقت و لكن..
    قاطعته سائلة: لا يمكنك مقارنة وضعك يومذاك بوضع زوجة كيفن السابقة! فلم تكن سوان بحاجة إلى الكذب و الغش لتجعل كيفن يأكل من يدها الصغيرة الحلوة.. ما كان عليها سوى أن تتلاعب على ضميره الحساس.
    - لكن هل أنتِ متأكدة من أنها لم تكذب أو تغش و لم تستخدم كل الخدع المتوفرة لديها لتفسد زواجكما؟
    - لم أفكر في الأمر من هذه الجهة.
    - أن أفراد عائلة هاموند لا يغفرون أبداً.. هل تركت لكيفن فرصة ليشرح لك لماذا امتنع عن إرسال أوراق طلاقكما حتى الآن.. لو كان يريد الزواج بها لما تأخر حتى هذا الوقت.
    - ربما لم يعد راغباً في الشرح.. إنه هنا أليس كذلك؟ يستمتع بعطلة لطيفة في مكان ما من الجزيرة...و لا يهتم أبداً برؤيتي!
    قال بيدروس برضى: آه..! لكن لو مرّ بهذه المائدة بعد دقيقة و عرض عليك أن يشرح موقفه فهل ستقبلين الإصغاء إليه؟
    تمتمت عابسة: ربما.. لو أراد كيفن شرح الأمر لأصغيت إليه.. أجل..
    - و ستعترفين أنك مدينة له بتلك الفرصة.
    - أدين له؟ أنا لا أدين له بشيء؟
    - أنتِ مدينة له بالوقت عزيزتي, لقد تخلى عن وقته ليرافقك إلى هنا عندما احتجت إليه.. و مثل هذا الدين بحسب العرف اليوناني أمر لا بدّ من ردّه.
    ردت ساخرة: لكنني زوجته و لا أظن أن مرافقته إياي تضحية.. و لو افترضنا أنني مدينة له فأين هو لأردّ له دينه؟
    ابتسم بيدروس بسبب حدة دفاعها عن نفسها: و من قال لك أنه ما يزال في الجزيرة؟
    - كايس.. تكلمت مع كايس هذا الصباح.. و ذكر لي هذا الحديث.
    - فهرعت إلي لتقولي لي أنك تغلبت على كبريائك العنيدة.
    ضحك ضحكة مثيرة فأردفت غاضبة:
    - لقد ذكر كايس شيئاً عن استعارته لمركبك, لذا افترضت أنك تعرف مكانه.
    - لو كنت أملك هذه المعلومات فماذا كنت ستفعلين بها؟
    نظرت أماندا إلى المرفأ والثورة و الغضب على وجهها.. ثم ارتدت تواجه صهرها:
    - لو كان هنا لذهبت أبحث عنه.
    - لماذا؟
    ردت : لماذا؟
    و تخلت عنها كل دفاعاتها, تاركة خلفها امرأة ضعيفة متألمة:
    - لأنني... لأنني بحاجة إليه... لأنني.... أريد... أريده.
    اغرورقت عيناها الجميلتان الزرقاوان بدموع الضعف, و أضافت متمتمة:
    - لأنني... أحبه.
    مرت لمسة حنان على وجه صهرها و امتدت يده تضغط على يدها معتذراً. سألته همساً: أين هو بيدروس؟
    اشتد اسوداد عينيه في وجه متجهم كئيب. انتظرت أماني و قد توقف تنفسها.. أما بيدروس فبدا و كأنه يقوم مع معركة مع نفسه... ثم هز رأسه و تنهد بعدم رضى.
    قال اخيراً: لا أستطيع إخبارك عزيزتي.. عندما قابلته لآخر مرة كان يفكر في ركوب الناقلة التجارية إلى كوس لقضاء بضعة أيام في زيارة الأماكن السياحية.. و لكنني سأقوم بتحرياتي أماندا.. و ما إن أجده حتى أخبرك.




    من قلب البحر عاد
    لكن.. عندما جاء كيفن فاجأها كثيراً بحيث نسيت كل ما وعدت به صهرها عن الأصغاء إليه, و الواقع أن الغضب والصدمة جعلاها أكثر ثورة و دفعاها إلى إهانته بطريقة لم تظنّ أنها قادرة عليها.
    في الصباح التالي و بعد ليلة من الأرق ارتدت سروالاً و قميصاً و خرجت تصمت قبل أن يستيقظ أحد.
    بدا الشاطئ الخاص رأئعاً في مثل هذا الوقت الباكر من الصباح..
    كانت الرمال تحت قدميها الحافيتين ساخنة, و البحر يهمس فوق رمال الشاطئ, و يشدها إلى أطرافه.. وقفت للحظات, تنظر إلى ما حولها برضى.
    في الليلة الفائتة وصل بيدروس إلى البيت عن طريق البحر و ها هو مركبه يتهادى و هو مربوط إلى الرصيف الصخري الطبيعي الذي حفرته الطبيعة, كان جزء من اليخت غير مرأي بوضوح و لم يكن يبدو منه غير مقدمته البيضاء, أما سائر أجزائه فمتوارية في ظل من صخور مرتفعة شديدة الانحدار..
    الهواء شديد السكون هذا الصباح لهذا وقفت أماندا تستمتع بالهدوء و ترقب بابتسامة سمكة تتهادى بين الأمواج..ثم طار طائر كبير بصمت فوق رأسها, فرفعت رأسها تراقبه... جعلها اتساع جناحيه تتساءل عما إذا كان أحد النسور المعششة في قمم تلال الجزيرة... ثم سمعت رذاذ الماء فارتدت لتنظر إلى الماء مجدداً بحثاً عن الدوامة التي يجب أن تظهر لترى أين قفزت السمكة هذه المرة, لكنها لم ترَ أي دليل وسط الخليج عندئذٍ أخذت عيناها تجوبان المنطقة الظليلة..
    في تلك اللحظة رأته.. يتحرك برشاقة ذهبية في المياه.. ثم رأته يخرج من الظلال من جهة اليخت ألى أشعة الشمس المشرقة.
    إنه رجل! يقصد الشاطئ من جهة اليخت... هل جلب معه بيدروس بدون أن يدري ليلة أمس متسلل؟
    هذا امر عجيب... فاليخت كبير نسبياً للإبحار في النهار... صحيح أن فيه مقصورة في الأسفل, و لكنها صغيرة و معدّة لتناول الطعام, و الأهم أن مقعدها الثابت الضيق لا يتسع للتمدد إن أراد أحدهم النوم عليه.
    خرج من الماء و كأن هيليوس يخرج من البحر... كانت المياه تتدفق من كتفيه و تنهمر على جسده الذهبي الرائع. شعره بني أحمر,موشى بالذهب.. عيناه كعيني أسد يريد الأنقضاض عليها, علقت أنفاس أماني في حلقها! إنه كولوسوس يقوم من مكان راحته ليأتي إليها.. استجاب قلبها تعنف و خفق بين ضلوعها.
    همست بأنفاس ملؤها العذاب : كيفن؟؟؟
    لم يقل شيئاً بل تابع المسير و ذقنه المربع في خط عنيد.. و هذا ما جعل أماني ترتد مجفلة كلما اقترب.




    - ماذا... ماذا تفعل هنا؟
    إذا توقعت أن يوقفه السؤال, فقد خاب أملها لأنه لم يأبه البتة بل تابع المسير.
    كانت تتراجع كلما تقدّم
    أنت... أنت..نمت.. في اليخت... ليلة أمس؟
    لم يرد. لمَّا وصل إليها توقف, يشرف عليها من فوق و كأنه عملاق غامض منتقم. أسرت عينا الأسد الضيقتان عينيها.
    فأدركت حتى قبل أن ينحني أنه يهم بشيء ثم انحنى بسهولة أثارت غضبها و رفعها عن الأرض و رماها فوق كتفه... و قبل أن تتاح لها فرصة فهم ما يحدث بدأيسير فوق الرمال الفضية الناعمة متوجهاً ناحية المرفأ.
    قاومته و صاحت : كيفن! ماذا تفعل؟ كيفن!
    لكنه لم يظهر دلالة على أنه سمعها و تابع المسير.
    - أنزلني!
    عندما رفست بقدميها وجدتهما عالقتين على جسمه, و تابع سيره كأنها غير موجودة... فضمت يديها تضربه بقوة على ظهره بلا جدوي, عندئذٍ تضاعف غضبها و سخطها.
    قالت تحذره:
    - كيفن.. إن لم تنزلني حالاً فسوف.. فسوف ابدأ الصراخ! و لسوف يسمعني كل من في الفيلا فيهرع إليّ!
    تحداها صمته أن تنفذ تهديدها! فتحت فمها لتصرخ صرخت حادة مزعجة فاجأت نفسها فيها! لكن لا فائدة إذ استمر كيفن في سيره الثابت متجاهلاً إياها. شعرت باهتياج مخيف يسري في دمها, فكل ما يجري ينذر بالشر...
    وصل بها إلى الرصيف فتابع سيره, و اقترب إلى الظل حيث لم تصل الشمس ثم اقترب من على اليخت.. بدأت أماني بالمقاومة مرة أخرى, فحاولت بذعر الخلاص من قبضته واحترق وجهها من الغضب و الإذلال...
    و صاحت مجدداً بصوت مرتفع طويل فترك كيفن ساقيها و صفع مؤخرتها بشدة.
    صاحت: أوه.... سأقتلك بسبب هذا كيفن لوكهارت! ضربته بقبضتيها مجدداً.
    - أكرهك.. أكرهك!
    لم يرد , بل وصل إلى اليخت و صعد إليه بخفة, عندئذٍ ترنح المركب قليلاً. ثم تابع نزول الدرجات القليلة نحو المقصورة الصغيرة, و هناك أنزلها عن كتفه و لكنه جعلها تلتصق به و راحا يتبادلان النظرات... كانت عيونهما تكشف عن تعابير مختلفة : عيناها غاضبتان ساخطتان, و عيناه باردتان ملؤهما العزم والتصميم.
    تركها في الغرفة وهي تبتعد عنه في المكان الضيق وشعرها يتطاير و وجهها أحمر قاتم..ثم انحنى انحناءة ساخرة جعلتها تكشر تكشيرة حيوانية ولكنه لم يأبه لما رآه و أقفل الباب وراءه.
    قفزت إلى الباب مجدداً:
    ماذا تفعل كيفن؟ كيفن!
    و ضربت الباب بقبضتيها.
    سمعت خطواته فوق على سطح المركب, فارتفعت عيناها و لحقتا بحركته ثم ران السكون عندما كتم الصمت أنفاسها في حلقها ثم سمعت صوت المحرك يدور.....
    إنه يخطفها! أدركت هذا والإحباط يلفها ولكنها تجاهلت رجفة الإثارة التي أثارها تصرفه الوحشي, فلدى ذلك الوحش الفظ المتعجرف الجرأة على الظن... ضربت الأرض بطريقة طفولية:
    - كيفن لوكهارت... إنزل إلى هنا و أخرجني حالاً!
    و لكن المركب راح يشق عباب البحر.
    أسرعت تنظر إلى الخارج ثم اندفعت أصابعها تعبث في أكرة لتفتحها... ثم عادت إلى الباب ترمي بثقل جسمها عليه و تصيح بمزيد من اللعنات و الإهانات حتى انهارت منهكة على المقعد و جسمها يستحم بالعرق, و حنجرتها جافة من كثرة الصراخ.
    صاحت لآخر مرة بصوت حاد:
    - لن اسامحك على هذا! انتظر إلى أن يلحق بك بيدروس...
    فيما بعد لم تستطع أماندا تحديد ما زاد سخطها و ضاعفه.... هدوؤه في خطفها, أم الصمت الرهيب الذي تلاعب بأعصابها... لم تكن خائفة على حياتها أو خائفة من الاختطاف بحد ذاته... بل الواقع أن ما حدث امر مثير.
    و لكن بعد مضي الوقت و متابعة سيره حول الجزيرة و بسبب صمت الرجل الذي يقوده تعلمت معنى ( الإنهاك الفكري ) .
    كانت جالسة بهدوء على المقعد الخشبي حين توقف اليخت أخيراً وصمت المحرك, و صمت صوت المرساة تشق الماء... ثم نزل كيفن ليفتح الباب.
    قال بقسوة: تعالي... هيا.... اخرجي.
    قالت ساخرة رافضة الإذعان بتحدٍ:
    - إذن تعرف كيف تتكلم؟ إذهب إلى الجحيم!
    أصبح على مقربة شديدة ثم انتفضت و انسلت من بين شفتيها شهقة مخنوقة لأن يديه هوتا على كتفيها تشدانها بقوة لتقف.
    رد بصوت فظ: أنا أتكلم ! و الواقع أنه لم يمرّ علي زمن طويل منذ خرجت من الجحيم.. لذا لن أعرف الفرق. و لذا لا تثيري أعصابي... لأن كولوسوس هذا ركع على ركبتيه لفترة و لكنه على عكس الآخر وقف ليقاتل مجدداً.. فلو كنت مكانك لبلعت لساني الحلو السليط و إلا عرفتِ النتائح.
    - من أعطاك الحق أن..
    صاح مشيراً إلى الباب:
    - أخرجي! إلى الخارج!
    خرجت أماني خشية أن يستخدم قوة ذراعه إن تحدته ثانية.. لكنها رمته بنظرة شرسة قبل أن تتحرك و رفعت رأسها بتعالٍ, ثم ابتسمت مسرورة من نفسها عندما تلقى صفعة من شعرها الذي تطاير على وجهه المتعجرف.
    اشتددت حرارة الشمس التي ارتفعت في كبد السماء.. لذا عندما خرجت أماني إلى السطح شعرت بحرارتها تحرق بشرتها و جعلها وهجها تغمض عينيها حتى تعتاد عليها... كان قد اوقف اليخت أمام فم الخليج يستحم في الشمس.
    الصخور المحيطة به صخور مرتفعة ملساء و الشاطئ مترامٍ....
    جاءها صوته المتسلط من ورائها:
    - حسناً... سأبدأ أنا بالكلام و عليك الأصغاء.. هل فهمت؟
    ابتلعت ريقها وهزّت رأسها.
    هز رأسه هو أيضاً و وقف بعيداً عنها وقفة أرهبتها:
    - أريد أن أشرح أمر سوان.. أنها...
    - لا !
    خرج الرفض منها بدون أن تستطيع منعه.. فطافت نظرته عليها بشكل مهدد.
    - خلت أننا متفقان على...
    - أجل.. إنما لا أريد سماع شيء عن زوجتك السابقة... قل لي شيئاً واحداً فقط و ليبقى ما سواه مدفوناً في أعماقك.
    تردد... عرف كما عرفت أنها ليست في موقف يسمح لها بفرض ما تريد.. ثم هز رأسه بتجهم:
    - حسناً اسألي ما شئت.
    - هل أنت هنا لأنه ثبت لك أن مشاعرك نحوي هي أقوى من مشاعرك نحو سوان كورتيز.. أم لأنها نبذتك مجدداً؟
    ترقبت رده بعيني شاخصتين.. ففكرت و انفاسها مقطوعة أنها أنْ تهرع و ترتمي بين ذراعيه. امتدت يده نحوها ثم هبطت ثم ما لبثت البسمة أن خبت على وجهه و قال بصوت أجش:
    - لم أرغب قط و ما زلت أمقت الساعة التي مررت فيها بعد ذلك الموقف! لقد عرفت أيهما أهم عندي حتى و أنتِ تخرجين من غرفة الاستقبال ذلك اليوم... راقبتك تنزفين حتى الموت أمامي, و لم أستطع القيام بما يوقف ذلك النزيف! وقفت أراقبك و أنتِ توضبين حقائبك و تزيلين أي دليل يدل على وجودك هناك...و أردت ان أجثو على ركبتي متوسلاً غفرانك.
    - و لماذا لم تفعل؟
    - كان الوقت متأخراً.. أليس كذلك؟ و الواقع أنني تأخرت منذ اللحظة التي تركت سوان تؤثر بي و........
    قاطعته: طلبت منك عدم ذكرها... فلست من النوع الذي يستمتع بمعرفة أنها الثانية في أي شيء كيفن.. لذا حذار لأنني لن أسمح لاسمها بالمرور عبر حنجرتي.
    انتفض عرق في فكه:
    حسناً... أتقبل هذا.
    فهو الذي وضع فيها هذه المشاعر عندما استخدم سوان سلاحاً يجرحها فيه.
    أردف: ثبت إلى رشدي متأخراً و كان الوقت قد فات على القيام بما ينقذنا من الكارثة التي اندفعت إليها بكل غباء.
    هاجمته بقسوة: و هل حضرتك حاولت..
    - أوه.. أجل.. كم حاولت.. مع أن ذبحك أياي في المطعم كان انتقاماً, انتقاماً حققته و في مكان علني جداً.. أليس كذلك أماندا؟
    كان ذلك المشهد مسيلاً للعاب المراسلين الذين كتبوا و أطنبوا عنه في الصحف. أضاف بوجه متجهم:
    - بعد ذلك استنتجت أن لا فائدة من المحاولة مجدداً.. فمما رأيته منك تبين لي أنه لم يبق في قلبك مكان للغفران.. و لي كرامتي كما تعرفين!


    سألت بحيرة: إذن ماذا تفعل هنا؟ ما دمت مؤمناً بأن لا جدوى؟
    - أه... هذا موقف مختلف... أنسيت أنك طلبت رؤيتي...
    أجل.. هذا ما فعلت . لقد نسيت كل هذا أمام طريقته القاسية الفظة التي اوصلتها إلى المركب.. تحركت منزعجة تحت نظرته المشبعة بالتحدي.
    ركزت عينيها الزرقاوين عليه تتحداه:
    - و لماذا استخدمت طريقة رجل الكهف؟
    ابتسم و ارتفع حاجباه بحيث بدا وجهه ساحراً سحراً شيطانياً.
    - ألم أحقق المراد منها؟ لقد اوصلتك إلى حيث أريد بأقل جهد ممكن.. عليك أن تفهمي هذا أماني ... فما رأيته أنموذج عما أنوي الاستمرار عليه منذ الآن فصاعداً.. مشكلتي معك أنك تعيشين في عالم خيالي زائف.. لذا لا أستغرب أن تكوني ناجحة في المهنة التي اخترتها خاصة و لك مخيلة خصبة تساعدك كثيراً.. و لكنها ترهق الناس الذي يقتربون منك..هكذا.. هذا المخلوق...
    و أشار إلى نفسه متجاهلاً تشجنها بسبب انتقاده إياها.
    - قرر أن يتسلق إلى عالمك.. فأنا لا أرى طريقة أخرى للوصول إليك... و ها أنا ذا أقف أمامك.. لقد نهض كولوسوس فالآلهة لا تقبل بالعبث من نسائهم.. إما تسيري على الخط المستقيم و أما أن أقسو عليك.. فالمسألة بسيطة.
    وقفت أماني مذهولة من عجرفته, مذهولة من تحليله الدقيق لها, و لكنها كانت تغلي غضباً لأنه قال أنها ستسير على الخط المستقيم معه ومع طلباته الديكتاتورية.
    سحبت نفساً غاضباً: يا الله لو كنت رجلاً...
    - ليت صهرك اليوناني معك؟
    - سيرميك بيدروس من فوق المركب إن عرف كيف عاملتني اليوم.
    - بيدروس يا عزيزتي أماني... ساعدني لتحضير هذا!
    انتهى الأمر.. و انزلت كل أشرعتها... فالرجال كلهم سواء! كلهم خونة حين تجربهم المرأة! هزت رأسها قرفاً, فابتسم لها كيفن بمكر.. بدا مسترخياً جداً بل متكاسلاً حتى .. عندئذً صاحت صحية غضب و طارت إليه تسبب له بقدر ما يمكنها من جروح بأظافرها قبل أن يمنعها بقوته المتفوقة.
    لكنه كان أسرع منها, فقد التقطها ما إن وصلت إليه و رفعها عالياً ثم رماها بكل هدوء عن جانب اليخت, بحيث حطت وسط فوران مائي في المحيط الأزرق و غاصت ببطء إلى القعر, و لكنها ما لبثت أن جمعت قواها بما فيه الكفاية و عادت إلى السطح.
    حرّكت مجدداً يديها و قدميها لتستطيع التنفس ثم لما أصبحت على سطح المياه استندت بعفوية على سياج المركب و راح يضحك عليها.. و سألها:
    - أنتِ تعرفين السباحة أماندا.. أليس كذلك؟
    أسبح! سأريه كيف أسبح!
    ارتدت بسرعة و انقلبت لتغوص مجدداً نحو الشاطئ ثم سبحت تحت الماء أكثر من دقيقة قبل أن ترتفع لتسحب نفساً.. ثم راحت تضرب المياه ضربات خبيرة و كانت تهدف بذلك التنفيس عن غضبها أكثر من أظهار براعتها في السباحة.
    أصبح قربها قبل أن تصل إلى المياه الضحلة.. فنظرت إليه تريد أن تغرقه فيها... لكنها لم تنجح, فكما قال لقد انضم إلى عالم الخيال... و لا يمكن تدميره بسهولة.
    امتدت يداه حول خصرها ليساعدها على الوقوف, و ظل يمسك بها و هي تناضل لتلتقط انفاسها و كانت
    أنفاسه هو ثقيلة.
    بدا في تعابير وجهه إلحاح وضعها في موقع الهجوم مجدداً. كانت عيناه الصفراوان تومضان بشكل غريب, و رأت شوقاً أحمر يتصاعد إلى خديه.
    قالت بصوت لاهث:
    - اكرهك.. أكرهك.. كيفن.. كيفن لوكهارت! ما أنتَ ألا...
    و لكنه غطى شتائمها بيده الرطبة ثم ما لبثت ذراعاه أن أطبقتا عليها بقوة, و راحت يداه تدفعان ظهرها لتلتصق به... عندئذٍ ضاعت اماندا.........
    جاء استسلامها هادئاً أما أحاسيسها فكانت يائسة شوقاً إليه ..
    تمتم بصوت أجش: أنتِ لا تكرهينني أماندا.. بل تحبينني ... تحبينني.
    حاولت الخلاص منه وهي تنكر: لا !
    - بل تحبينني! و طالما أحببتني و ستبقين على حبي حتى لو أفترقنا.
    إنه على حق! اعترفت بهذا بينها و بين نفسها.
    أضاف آمراً: قوليها أماني.. قوليها بحق الله! و أخرجينا معاً من هذا البؤس!
    قالت بصوت مخنوق: أحبك!
    و دفنت وجهها في كتفه لتبكي بكاءً صادقاً فضمها إليه أكثر و أكثر وانخفض رأسه بلطف فوق رأسها, و ارتجف جسمه.
    - أتعودين إليَّ أماندا؟
    لم ترد بل دفعت وجهها إلى صدره... فحثها مرة أخرى.
    - عودي إليّ.. و أعد أن أمضي عمري كله و أنا أثبت لك مدى حبي.
    شخرت بأنفها: حتى ...حتى تظهر..سوان كورتيز مجدداً.
    تنهد: باتت سوان خارج مسؤولياتي.. لقد لقنتني درساً مؤلماً مرة , و انا عادة لا أحتاج إلى التعلم الدرس مرتين.
    - و كيف أثق بما تقول؟
    ابتعدت عنه قليلاً, و تركها تبتعد...كانت الأمواج تتدافع حتى ركبتيها باردة و تمتمت: أخبرني.
    ترددت حتى الآن لسماع اسم الفتاه الآخرى.
    - طلبت منها بوضوح كامل أن تخرج من حياتي و تذهب إلى الجحيم.. و ذهبت.. إنما ليس قبل أن تخبرني أنها قصت علي جملة أكاذيب... لقد طلبت تلك الفاسقة بنفسها قطع الأنابيب لتصبح عاقراً عندما أجروا عملية الآجهاض, كما أخبرتني أن ذلك الأيطالي لم يكن يريد الزواج بها بل رماها بعد أن شبع منها.. ثم عرفت بخبر زواجنا في الصحف فقررت أفساده بكذبها.
    تنهد: و هذا مختصر آخر مرة رأيتها فيها.. أعد أنها لن تزعجنا مرة إخرى...
    أخذت راحتا يديه تتلمسان عن غير وعي كتفي أماني , ثم أضاف بسرعة:
    - يجب ان أقول لك أماني أنني لم أستطع التخلي عنها بدون ان أقدّم لها شيئاً.. لقد أسست لها محلاً في نيويورك.. بوتيك فاخر سمعت أنه معروض للبيع.. آخر ما سمعته أنها تستمتع بكل دقيقة فيه, و قد نجحت نجاحاً كبيراً.. و اجتذبت الأثرياء إليها.. و أن هناك ما يجب الاعتراف لها به فهو عينها الثاقبة في اختيار الأزياء.
    رفعت وجهها إليه: حسناً..ستعترف لها بهذا؟
    همس: تعرفين أنني أكره أن أراك باكية.. فلماذا لا تستلمين و تقولين لي أنك عائدة إليَّ, إلى حياتنا الزوجية؟
    و بهذا لن يكون لك عذر للبكاء.
    - أيها الشيطان المتعجرف.
    لكن ابتسامتها كانت صافية أخيراً, تظهر له ذلك الحب الذي لم تجرؤ على الظن أنه سيراه مجدداً في عينيها الزرقاوين.
    - حسناً... سأعود إليك على شرط واحد..
    أجفل العملاق الذي نظر إليها عابساً,ثم تنهد:
    - حسناً.. أقبل به, فما هو؟
    - أن تحملني إلى اليخت لتكفر عن رميك إياي عنه! فأنت من ادعى أنك انتقلت إلى عالم الآلهة الخيالي!... كان كولوسوس الأصلي سيحملني بسهولة.
    ارتدت خائفة حتى وهي تمازحه و كانت عيناها تبرقان بمكر شرير..أماندا القديمة بارزة بكامل جمالها الأخاذ.. و شعرها كالساتان الأصفر ملتصق برأس كامل الشكل و خداها مشرقان و ثغرها أحمر مكتنز الشفتين.
    لوحت بأصابعها في وجهه:
    - هذا شرطي.. أنتَ من قلت لي أنني أريد ألها لأحبه....؟
    راح يخوض في البحر البارد متوجهاً إليها و كانت على وشك أن تستدير و تبدأ بسباحة حين أمسك بها, فصاحت برعب و هو يرفعها ليضعها على كتفيه ,متجاهلاً تمسكها بشعره و كيفية صراخها كي ينزلها.
    قالت تتوسل: أنزلني كيفن... أسحب شرطي. سأعود إليك في كل الأحوال حتى و إن لم تكن مثل كولوسوس.
    كان على وشك أن ينزلها و لكن لمّا سمع كلماتها الأخيرة غير رأيه و اشتدت قبضته على كعبيها و تابع تقدمه و سار بنفسه إلى تحت الماء, تصاعدت إلى نفسها موجة من الذعر الحقيقي فأرادت الخلاص لأنها تخشى أن يتهور قبل أن يعترف بالهزيمة, و تركت نفسها ترتمي إلى الأمام في الماء ليضطر إلى تركها.
    صعد رأسيهما إلى فوق الماء في الوقت ذاته وعادت أماندا إلى ما بين ذراعيه.. و قال:
    أحبك أماندا.. أحبك..
    ارتفعت يدها تغطي فمه:
    - لا ! لا داعي للكلمات حبيبي.. لا داعي إلى الكلمات.. لا أحتاجها.. أحتاجك أنت فقط!
    - كانت راضية حتى قبل أن تسمع هذه الكلمات وها هي أكثر رضى لأنها سمعتها.. فقد عرفت أن كيفن دوماً يحبها..لكنه احتاج إلى وقت ليتقبل هذا الواقع...هذا كل شيء.
    - سبحا إلى اليخت معاً و لكن كيفن رفع نفسه من الماء أولاً, ثم ارتد ليساعد اماني على الصعود. قال لها ما إن داست قدمها سطح المركب: هناك ما أريد أن اريك اياه.
    - و أخذ يدها و ساعدها على نزول درج المركب ثم تركها لينحني تحت المقعد حيث التقط لفافة أعطاها إياها بكل وقار:
    - افتحيها ...إنها لك.
    - فتحت الهدية الملفوفة بأنفاس مقطوعة فلما رأت العلبة توقفت اصابعها و راحت تتلمس العلبة المألوفة لها.......
    - إنه تمثال برونزي مطلي بالذهب, تمثال كولوسوس.. حملته أماني بحنان بين يديها فقلبته يمنة و يسرى و قلبها يعج بالآف المشاعر.
    - سألت بصوت أجش: التمثال ذاته؟
    - - أصلحه زاكاري كافالوس.. و اقترح أن أشتري واحداً جديداً.. لكنني أردت هذا بالتحديد, بعنقه المكسورة.. إنه لك أماندا.. أصلحته لأرده أليك.
    - خنقتها العبرة و راحت يداها ترتجفان فوق التمثال الجميل.
    - - لا كيفن.. إنه تمثالك.. لقد اشتريته لك..
    - قاطعها: يجب ان أستحقه مرة أخرى .. و أريد ان استحقه بصدق هذه المرة.
    - أعادة التمثال إلى صندوقه و رفعت نظرها إلى كيفن :
    - - إذن هو ليس لأي منا بل ربما لم يكن لنا أصلاً .. ربما كنت مذنبة عندما توقعت منك أن تكون شخصاً أخر.. أنا أسفه كيفن..
    - اهتز جسم كيفن بتنهيدة انفعالية: سنضعه في مكان الشرف في شقتنا حين نعود.. كتعبير عن حبنا.
    - تمتمت : فكرة رائعة.
    - ذابت بين ذراعيه و لكنها فكرت في سرها: على أي حال كولوسوس الأصلي هو ملك للشمس و السماء والناس في رودس, و هي لديها زوجها الحبيب.. لقد حصلت على نسختها بين ذراعيها, و هذه النسخة مرغوبة أكثر من التمثال النحوت.

    تمت و الحمد لله................

    * * *

    ,,,, تحياااتي لكم,,,,
    دعَ ـوآإكمَ لـ وآلـدَ مـني خَ ـذوِك



    عَ ـسىآ ربيَ يشفيهَ وٍ يقوَمِ ـه بـآلسسلآمَ ـه


    اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.
    اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا شفائك


  • راضـ نمله ـخ
    VIP

    • Mar 2008
    • 573

    #2
    مشكور عزيزي ع القصه

    تعليق

    • !عـشـقـي عـيـونـك!


      • Apr 2008
      • 1767

      #3
      العفوووووووووووو

      اشكرك على المرور
      دعَ ـوآإكمَ لـ وآلـدَ مـني خَ ـذوِك



      عَ ـسىآ ربيَ يشفيهَ وٍ يقوَمِ ـه بـآلسسلآمَ ـه


      اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.
      اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا شفائك


      تعليق

      • الـولـهـانـه


        • Mar 2007
        • 4192

        #4


        اللهم خذ روحـېﮯۧ وأنـا { سـاجـد} بين يديـ? وقلبېﮯۧ ينبض بخشيتـ? وذ?ـر?

        تعليق

        • !عـشـقـي عـيـونـك!


          • Apr 2008
          • 1767

          #5
          تسلمين

          شاكر لك على المرور
          دعَ ـوآإكمَ لـ وآلـدَ مـني خَ ـذوِك



          عَ ـسىآ ربيَ يشفيهَ وٍ يقوَمِ ـه بـآلسسلآمَ ـه


          اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.
          اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا شفائك


          تعليق

          • ليتني همكـ
            مشرفة سابقة

            • Mar 2008
            • 1364

            #6
            يسلموووووووووو
            و يعطيك العافيه


            تقبل مروري و تحياتي

            اختكـ
            بنوته كتكوته

            تعليق

            • !عـشـقـي عـيـونـك!


              • Apr 2008
              • 1767

              #7
              الله يعافيك ويسلمك

              شاكر لك على المرور
              دعَ ـوآإكمَ لـ وآلـدَ مـني خَ ـذوِك



              عَ ـسىآ ربيَ يشفيهَ وٍ يقوَمِ ـه بـآلسسلآمَ ـه


              اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.
              اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا شفائك


              تعليق

              يعمل...